الأربعاء، 22 أبريل 2015

خلق الله لآدم بيديه أم من سلف مشترك؟! "مجادلة منطقية"

خلق الله لآدم بيديه أم من سلف مشترك؟!

"مجادلة منطقية"*

(من المشاركات القيمة لأحد أصدقاء إحدى الصفحات العلمية التي كنت أديرها مع بعض التنقيح مني أثناء المراجعة)

 

بعض التطوريين لا زالوا محافظين على إيمانهم لأنهم لم يفهموا النظرية بشكل جيد أو ربما أخذوا منها بعض مبادئها ورفضوا بعضها الآخر، ونجدهم يتحدثون عن عظيم قدرة الله عز وجل عندما يتخذ التطور أسلوبًا في الخلق.

ومن المغالطات التي يجادل بها هؤلاء أن يقول أحدهم: لا أرى في التطور تقليلًا من قدرة الله؛ وأعني حين نقارن بين تشكيل الله للطين بيده وتسويته ثم النفخ فيه كي يصير حيًا، وبين خلق الله للكون بقوانين دقيقة تجعل هذا الكون يسير على نظام محكم يتسبب في ظهور الإنسان بعد عدة بلايين من السنين، فالحالة الثانية أكثر إعجازًا وإذهالًا وتدليلًا على القدرة بمراحل عن الأولى، والإله القادر على الحالة الثانية إله قادر بشكل يعجز عقلي عن تخيله.

وهنا أرد وأقول: يجب أن نتفق أولًا على قاعدة وهي، ما هي مصادر معرفة أصل خلق الإنسان؟ ولا يهم إن كنت تعتني بمصدر واحد، بل المهم أن تدل على ذلك بعض مصادر المعرفة أو أحدها دلالة قطعية دون أن تعارضه المصادر الأخرى في ذلك.

فإذا أقررت معي بأهمية تحديد مصادر معرفة ذلك، سواء أكان مصدرًا "إلهيًا"، أم "عقليًا" أم "تجريبيًا"، وبأن المعلومة إذا تحققت عن أي مصدر فذلك كافٍ، فعندئذ تكون النتيجة مرضية لنا جميعًا، أما أن نتجاهل مصدر معرفة معينًا من أجل مصدر معرفة آخر، فهذا انحياز لبعض وسائل الاستدلال على وسائل أخرى.

كما أن مصادر المعرفة الحقيقية لا يمكن أن تتعارض، فما دل عليه الكلام الإلهي، وما دل عليه العقل القطعي، وما دل عليه العلم المثبت لا يمكن أن يتعارض، وإلا جاز الجمع بين النقائض بوصفها حقائق، ودخلنا في الأسلوب الباطني القرمطي لتأويل النص.

والتناقض هو اعتقاد أن الله خلق آدم بيديه من طين، وأنه خلق حواء من ضلع آدم، وهذا ليس ظنًا بل هذا علم إلهي، بمعنى أنه خبر لا يحتمل التكذيب بالنسبة للمؤمنين، وأن تجمع مع هذا اعتقاد أن الله لم يخلق آدم بيديه من طين ولا خلق حواء من ضلع آدم، وإنما خلقهما من أبوين؛ هما السلف المشترك للإنسان مع القردة!

وأما وسائل تفسير الآيات فهذه غير راجعة إلى ما نستخلصه من نظريات الداروينية الجديدة، فالمجمل من الآيات يُحمل على المفصّل.

أما التقليل من قدرة الله الخالق، أو الحديث عن عدم إمكانية تصور يد الله التي خلقت آدم، أو مقارنة خلق السموات والأرض في ستة أيام بخلق الكائنات متناسيين أن العلم أثبت أن تلك الكائنات ظهرت بالفعل على مراحل متقاربة زمنيًا –ما ينفي تطورها من بعضها البعض-، أو تزاوج الإخوة وما عداه مما يحاول التطوريون لفتنا إلى قبحه فليس هو الموضوع هنا، لأنه راجع إلى مسائل التحسين والتقبيح العقلي والشرعي، وليس إلى مسائل جواز الحدوث أو عدمه، لأنه جائز عقلًا وحسًا.

والحديث هو عن: أن الله يقول إنه خلق آدم بيديه من طين، من طين من حمأ مسنون، من صلصال كالفخار، ثم سواه بيديه ونفخ فيه من روحه، وأسجد له الملائكة، ثم خلق حواء من ضلعه، كما جاء في الأحاديث الصحيحة الثابتة.

ثم إنني لا أتحدث عن مجمل "الدين" أنا أتحدث عن القرآن وكلام محمد صلى الله عليه وسلم، هذان "وحيان" بمعنى أنهما من "العلم الإلهي القطعي"، وهما قطعيا الدلالة والثبوت على ما يخالف هذه النظرية التي ليست بقطعية الثبوت "نظرية بشرية غير قاطعة"، وما ليس بقطعي الثبوت لا يرد ما هو قطعي الثبوت.

ولا مفر من أن نصف هذا الكلام (خلق الله لآدم من الطين وخلق حواء من ضلع آدم) بأنه صدق أو كذب. أما أن نقول لمن يقول به إنه لا يفهم معناه لأن النظرية الداروينية تقتضي عكسه فهذا ليس بصحيح. إما أن ذلك الكلام (صدق أو كذب).

أما القول بأن نظرية الخلق ليست مضادة لنظرية التطور فهذا فرع عن عدم الموافقة على تناقض النظريتين، ولكن هذا الإقرار يلزم منطقيًا بإقرار آخر وهو:

أن الذي يخلق على مدى طويل ونتيجة لتحولات سابقة إذا كان قادرًا على كل شيء قدرة مطلقة فهو قادر على خلق شيء واحد أو أشياء عدة دفعة واحدة أيضًا.

فالزعم بعدم التناقض في قضية التطور والخلق يفضي إلى إلزام بعدم التناقض في قضية الخالق المطلق أنه قادر على النوعين من الخلق، وإذن فهو تجويز لهما، لا إثبات لأحدهما دون الآخر. فلا مزيد على أن نقول: النوعان المذكوران من الخلق جائزان.

ولا مفر من القول: إذا كان هو الخالق فالمخلوقات لم توجد صدفة أيضًا، والطفرة ليست صدفة أيضًا، وهذا يخالف كل مقترحات نظرية التطور.

وخلاصة القول إن ثمة نظريتين، هما الخلق المدبر، والتطور غير المدبّـَر، وهما وجها نقيض، ولا يمكن الجمع بينهما إلا بنزع خاصية في كليهما أو أحدهما، بحيث نقول: التطور المدبّـَر.

وهذا لا يلغي أن "المدبـّـِر المطلق" قادر على أن يخلق "ما يشاء" دون "تطوّر". وعندئذ لا ننفي احتمال أن الله شاء أن يخلق آدم "دون تطور" لأن الممكن قابل للحدوث مع مشيئة الموجب له وإخباره به، وقد كان! 

فهرس مقالات مدونة نقد التطور- د/منى أبو بكر زيتون

مقالات مدونة نقد التطور مجموعة في كتاب بعنوان "الإلحاد والتطور.. أدلة كثيرة زائفة" يمكن تحميل نسخة pdf عبر الرابط https://p...